فأجابه إبليس يقول
تنوح على البلاد ومن عليها وفي الفردوس قد ضاق بك الفسيح
وكنت بها وزوجك في نعيم من المولى وقلبك مستريح
خدعتك في دهائي ثم مكري إلى أن فاتك العيش الرشيح
فقال الحجاج : أخبرني يا غلام عن أجود بيت قالته العرب في الكرم ؟
فقال الغلام : هو بيت حاتم طي
وأكرم الضيف حتما حين يطرقني *** قبل العيال على عسر و إيسار
فقال الحجاج : أحسنت يا غلام وأجملت وقد غمرتنا ببحر علمك فوجب علينا إكرامك ثم أمر له بألف دينار وكسوة حسنة
و جارية وسيف وفرس
وقال الحجاج في نفسه : إن أخذ الفرس نجا وإن أخذ غيرها قتلته فلما قدمها له
ثم قال الحجاج : خذ ما تريد يا غلام
فغمزته الجارية
وقالت : خذني أنا خير من الجميع
فضحك الغلام وقال ليس لي بك حاجة
وأنشد
و قرقعت اللجان برأس حمراً أحب إلىّ مما تغمزني
أخاف إذا وقعت على فراشي وطالت علتي لا تصحبيني
أخاف إذا وقعنا في مضيـق وجار الدهر بي لا تنصريني
أخاف إذا فـقدت المال عندي تميلي للخصام وتهجريني
فأجابته الجارية
معاذ الله أفعل ما تقول ولو قطعت شمالي مع يميني
وأكتم سر زوجي في ضميري وأقنع باليسير وما يجيني
إذا عاشرتني وعرفت طبعي *** ستعلم أنني خير القرين
فقال الحجاج : ويلك ألا تستحين تغمزينه وتجاوبينه بالشعر
فقال الغلام : إن كنت تخيرني فإنني أختار الفرس أما إن كنت ابن حلال فتعطيني الجميع
فقال الحجاج : خذهم لا بارك الله لك فيهم
فقال الغلام : قبلتهم لا أخلف الله عليك غيرهم ولا جمعني بك مرة أخرى
ثم قال الغلام : من أين أخرج يا حجاج ؟
فأجابه الحجاج : أخرج من ذاك الباب فهو باب السلام
فقال الجلساء للحجاج : هذا جلف من أجلاف العرب أتى إليك وسبك وأخذ مالك فتدله على باب السلام ولم تدله على باب النقمة والعذاب ؟
فقال الحجاج : إنه استشارني والمستشار مؤتمن
وخرج الغلام من بين يدي الحجاج سالماً غانماً بفضل ذكائه وفهمه ومعرفته وحسن إطلاعه
أدعو ربي يرزقني بطفل مثل هذا الطفل به من الحكمة والذكاء مايعينني على تربيته تربية صالحة
لينفع الله به البلاد والعباد